(استمتع بصفاتي، ودع عنك رُفاتي)


الثلاثاء 2022-06-14

الإنسان بشر، والبشر مركب من النقص، إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد عصمهم الله تعالى ليكونوا مصابيح الأمم تضيء لهم الطريق المستقيم الذي يوصل العباد بربّهم جل وعلا، فإذا لم نكن قادرين على إيجاد الكمال في صفاتنا وذاتنا، فكيف نطلب من الآخرين أن يكونوا كاملين الصفات، مبرئين من العيوب والعاهات؟

والأهم من ذلك، كيف يمكننا أن نتحمل ما لا نحب من أجل من نحب؟

الجواب يكمن في أن نحب أنفسنا، ونسعى لتحقيق السعادة لها، والسعادة لا نجدها إلا في الطمأنينة وراحة البال الذي لا يتحقق إلا بالرضى والقناعة، لذلك قالوا: "القناعة كنز لا يفنى"، والقناعة والرضى لا يعني التسليم للواقع المرير، ولكن علينا أن نسعى للتغيير إلى الأفضل، مع تكرار المحاولات للوصول إلى الكمال مع القناعة والرضى بالواقع الذي نحققه في حياتنا، تماماً كالذي يسعى للعلاج وهو منسجم ومتفاهم مع العلة التي يعاني منها، بل قد تكون هي التي يؤجر عليها ومن خلالها تُدفع عنه الكثير من الفتن والشرور والمتاعب التي قد لا يستطيع تحملها، واحذر من زرع الإحن، "فمن زرع الإحَن حصد المِحَن".

وإِحَن: أي حِقْد وضِغْن، وغضب وعداوة، فلو كان في صدر ابن عمِّك إحْنة، لا تستثرها فسوف يبدو دفينها.

وعلى رأي المثل الشعبي "اصبر على قردك، لا يجيك أقرد منه"، والحكمة تقول: "تحمّل قدَرك، يُرفع قدْرك"، وما من شك في أن الكنوز مدفونة تحت الركام، ومن يسعى لاستخراجها لابد أن يعاني من الزكام.

يقول الشاعر زهير بن أبي سُلمى:

وَمَنْ لَمْ يُصانعْ فِي أُمُورٍ كَثيرةٍ   ::  يُضَرَّسْ بأنْيابٍ ويُوطَأ بِمَنْسِمِ،

الضرس: العض على الشيء بالأضراس، والمنسم للبعير: بمنزلة طرف الحافر للفرس.

والمعنى: أنه من لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور قهروه وغلبوه وأذلوه، كالذي يضرس بالناب ويوطأ بالمنسم.

فلذلك كان من دأب العارفين بالله تعالى، شكر الله تعالى على ما أصابهم، سواءً في أنفسهم أو أهليهم وأحبابهم أو أموالهم أو فيما يحبونه من متاع الدنيا، لأنهم يعلمون أن للكون مدبر، وأن لكل قضاء حكمة، ولكل شيء نهاية، وكل نقص في شيء، يقابله كمال في شيء آخر، وقد يكون معكل سيئة حسنة، ولكل أزمة فرصة، ولكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة.

فالعاقل لا يحرم نفسه من الاستمتاع بجميل الصفات، فيمن يحبهم، بسبب صفة أو صفتين، أو أزمة أو أزمتين، أو خطأ أو خطأين، أو نقص أو نقصين، أو مشكلة أو مشكلتين، فكل مطرود ملحوق، على رأي المثل، وكل آتٍ قريب، ومالم ندركه بجهدنا وعقولنا وضعف قدرتنا، نناله بالدعاء والرجاء من خالق الأرض والسماء، ثم بقوة عزيمتنا، وهكذا تمضي الأيام، ويصبح كل ما كان، كأنه ما كان ولم يكن شيئاً مذكورا، (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ).