الممارسات الهندسية في البناء (الواقع والمأمول للتصميم الزلزالي)


الأربعاء 2023-03-01

بقلم: صالح السيد

سنن الله ماضية فليس من منطقة أو دولة في منأى بصورة أو أخرى عما يعرف بنوع أو أكثر من "الكوارث الطبيعية" والإنسان بما حباه الله من ملكات مختلفة يستطيع من خلال العلم والمعرفة المتراكمة والخبرات السابقة تخفيف آثار تلك الكوارث على اﻷنفس والممتلكات.

المباني والمنشآت في المملكة العربية السعودية تعتبر حديثة نسبيًا ومن المفترض أن تكون ذات جودة عالية، وهذا لا يتعارض مع ضرورة أن نقرأ ونراجع جودة ما بني وما سيبنى في ضوء ما حدث مؤخرًا من الآثار الزلزالية المأساوية في كل من تركيا وسوريا، وخاصة أن كود البناء السعودي نص صراحة على ضرورة اعتبار التصميم الزلزالي لجميع المدن على طول ساحل البحر اﻷحمر والمناطق القريبة منه نسبيًا (مكة والمدينة مثلًا)، ولذا فمن الضروري أن ندرس مدى توافق المباني القائمة والتي يتم أو سيتم تشييدها في تلك المناطق.

المعمول به حاليًا أن التصميم والمسؤولية الكاملة عن التصميم أنيطت بالمكاتب الهندسية أما التنفيذ فأوكلت مسؤوليته إلى المقاولين.

الممارسة الفعلية لكثير من مخرجات التصميم والتنفيذ تجعل المرء يتساءل وبقوة: هل المكاتب الهندسية المصرح لها بالتصميم والإشراف لديها الكفاءة والدراية التفصيلية عما يلزم في التصميم والإشراف وهل المقاولون يعلمون دورهم ومسؤولياتهم في تحقيق متطلبات كود البناء.

جزء كبير من المباني في تلك المناطق تم تصميمها وتنفيذها قبل وجود الكود السعودي للبناء وربما في غياب مواصفات صريحة للتصميم والتنفيذ، وعليه فمن البديهي أنه -في أغلب اﻷحايين- لم يتم في تلك المباني والمنشآت اعتبار متطلبات التصميم لمقاومة الزلازل، وهذه الحالة ربما تتمثل في جزء كبير جدًا من المباني والمنشآت القائمة.

كاتب هذا المقال كان له شرف المشاركة في إعداد النسخة الأولى لكود الخرسانة وأتيحت له فرصة مراجعات إنشائية لمبان ومنشآت صغيرة وكبيرة وضخمة ولسنوات طويلة.

تبين له من خلال تلك المراجعات أن كثيرًا من التصاميم المعتمدة للتنفيذ لا تحقق المتطلبات الانشائية التي تنص عليها صراحة كودات البناء ليس فقط للمتطلبات الزلزالية، بل تطلبت المراجعات في كثير من الأحايين تغيير جذري للتصميم لتحقيق الحد الأدنى من معايير السلامة التي ينص عليها كود البناء ومواصفات المشاريع ناهيك عما يخص المتطلبات الزلزالية.

ولعل هذا ما دعاني أن اتساءل في بداية المقال هل لدى المكاتب المصرح لها بالتصميم الانشائي ومتابعة التنفيذ الدراية والخبرة التي تمكنها من التصميم الزلزالي بتفصيلاته المختلفة؟ هل اسناد ذلك كله كما هو قائم الآن للمكاتب الهندسية يحقق السلامة المجتمعية في التصميم والتنفيذ؟

الواقع المعمول به اليوم -لعلي أكون مخطئًا- أن ما يقدمه المكتب الهندسي للأمانة كتصميم يعتمد دون النظر إلى كفاءة وجودة المنتج وإن كان فعليا من قام بالتصميم لا يملك الخبرة التي تؤهله بأن يكون مسؤولًا عن التصميم (لا أتحدث عن أختام وتواقيع المكاتب).

ومن هنا فالخلل في التصميم الهندسي لن يستدرك وسينفذ المشروع بعلته (أعتقد انه لو حدث مكروه لن يفيد أن المكتب المصمم مسؤول عن ذلك).

ومما زاد الطين بلة ظهر في الآونة الأخيرة مكاتب هندسية عابرة للقارات تقدم لك خدمة التصميم المعماري والانشائي والميكانيكي بما يتوافق مع متطلبات الكود السعودي بقيمة لا تتجاوز 3000 ريال وهو محض افتراء وما يقدم من خلال تلك المكاتب، فالكود السعودي ومتطلباته الانشائية براء منه.

المحزن في هذا أن تلك المخططات تعتمد من قبل مكاتب هندسية محلية وتعتمد للتنفيذ. فهل هذه الممارسات هي الأسلم لتحقيق الحد الأدنى من السلامة في التصميم، ويتعدى الأمر بأن الإشراف الميداني على التنفيذ ليس بأحسن حال من التصميم. فماذا ننتظر؟

اسأل الله ألا نبتلى بكارثة تنبئنا عن عور كبير في التصميم والتنفيذ.

لعلي أستدرك هنا أن حديثي هنا عن المكاتب الهندسية وكفاءة منسوبيها لا يعني أنه لا توجد مكاتب هندسية تقوم بعملها على الوجه الأكمل وأنه لا يوجد استشاريون أكفاء، ولكن لعدم وجود ضبط صريح وآلية واضحة في كفاءة منسوبي المكاتب الهندسية والاستشاريين والاكتفاء بعدد سنوات التخرج بعد الجامعة أو سرد ما قام به في السيرة الذاتية دون تمحيص لدوره الفعلي أمر يحتاج الى إعادة نظر ومراجعة لمنتجه/لمنتجها فيصل لا غبار عليه. 

مواضيع أخرى كثيرة ذات ارتباط في الموضوع تحتاج إلى مراجعة ومناقشة لعلي أنوه إلى محطتين منهما أرجو أن يأخذا حقهما من المناقشة من المختصين إذا ما تم استحسان ذلك أولاهما: هل استخدام الدور الأرضي من المباني كمواقف للسيارات -ممارسة معمول بها بشكل كبير في بعض مدن المملكة- يضعف المبنى في مقاومة الزلازل ويجعل الدور الأرضي يقع في نطاق ما يعرف بالدور الناعم ويكون بذلك أضعف دور في مقاومة الزلازل، ثانيهما: الممارسات الموجودة بأن أبراجًا مبنية ملاصقة تمامًا لبعضها ومستوى الأدوار فيهما على مناسيب مختلفة بحيث لو وقع زلزل قد تضرب الأسقف في أحداهما الأعمدة بالمبنى الآخر وقد يتسبب ذلك بخطر حقيقي على سلامة تلك الأنواع من المباني.

موضوع الزلازل فيه تفاصيل كثيرة ولعلي اكتفي بما نوهت عنه هنا وربما نقاشات المختصين تثري الموضوع وتعرج على كثير من تلك التفاصيل.

موضوع آخر مرتبط بسلامة المباني والمنشآت وربما يتطرق لشيء منه إذا ما نوقش موضوع تأهيل المنشآت القائمة وتقويتها هو: خواص مواد البناء المختلفة التي تتأثر تمامًا بالظروف البيئية في موقع استخدامها وبخاصة الكيميائية منها وهي مستخدمه بكثرة وبكميات كبيرة وللأسف غالبًا ما يُبنَ قرار استخدامها على خواصها التي تقدمها الشركات المصنعة والتي بنيت أساسًا على ظروف بيئية مختلفة تمامًا عما يقابلها في المملكة العربية السعودية. نتيجة ذلك قد تكون تهديدًا لسلامة مستخدمي تلك المباني والمنشآت وهدر كبير للمال لقصر العمر التشغيلي لتلك المواد.

انفقت الدولة رعاها الله مليارات على أبنائها في التعليم والتدريب ولدينا حاليًا من الكفاءات العلمية وذوي الخبرة الميدانية ما لا يتوفر لكثير من الدول، ومن الممكن تشكيل فرق فنية من هؤلاء الخبراء لضبط المنتج في مجالات عدة ومنها التصميم الملائم لظروف بلادنا، وتبقى طريقة وآلية الاستفادة من امكاناتهم لعمل ما يمكن عمله لما يجنب بلادنا وأهلينا الكوارث -لا قدر الله-.