• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الثلاثاء 2021-06-15

معية الله تعالى لعباده (30)

  • تسجيل اعجاب 1
  • المشاهدات 631
  • التعليقات 0
  • Twitter
معية الله تعالى لعباده (30)
  1. icon

    إعداد / د. صديق بن صالح فارسي

  2. icon

    اجتماعي

بِسْم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

السؤال الثامن: هل نحن من (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ)، الذين جاء ذكرهم والثناء عليهم في الآية الكريمة، بما أعده الله تعالى لهم من مغفرةً وأجراً عظيمًا؟

(وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ).

مفهوم الصوم عند عامة الناس هو الامتناع عن الطعام والشراب والرفث في ساعات النهار فقط، بينما الصوم يتعدى ذلك المفهوم بكثير من حيث النوع والكيف، (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ).

فالصوم عبادة يظهر فيها العبد حبه وولاءه لمولاه عز وجل، فيترك ما قد أحل الله له من مباحات، ناهيك عن المحرمات، ومن يدع المباحات فمن باب أولى أنه يبتعد عن المحرمات، وذلك تعبداً وتقرباً لله تعالى، وحباً في مرضاته سبحانه وتعالى، والتزاماً بأمره ونهيه، فتزداد عنده القوة والعزيمة في الصبر على الطاعات والصبر عن الشهوات والصبر على مشقة الجوع والعطش ومكابدة النفس وكبح جماحها، فمن يملك نفسه ويتحكم في شهوة الطعام والشراب والغريزة الجنسية، فهو بلا شك بإذن الله تعالى سيكون قادراً على التحكم بالصوم لبقية الأعضاء والجوارح عن ما يغضب الله تعالى، فيصوم لسانه عن الفحش وقول الزُّور والبذيء من الكلام، وتصوم عينه عن النظر إلى المحرمات، وتصوم أذنيه عن سماع مالا يرضى الله من القول، ويصوم فؤاده أي: القلب وما حوى من وساوس وأوهام وتفكير في مالا يرضي الله، قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

فالصوم: إنما هو ضبط النفس والجوارح على تقوى الأخلاق، فبقدر ما نضبط تقوى الأخلاق، تسهل وتهون علينا تقوى العبادات، أما من فرّط فيتقوى الأخلاق، فقط أضاع الكثير من تقوى العبادات، فالدين الإسلامي قائم على حُسن المعاملة، والأخلاق الحسنة بين الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالِحَ الأَخْلاقِ)، فبعبادة الصوم نجد في النفس الخفة في أداء الكثير العبادات التي ربما كانت ثقل على النفس، ونجد الرغبة بالإقبال على الخير وعلى صنائع المعروف، والخفة في التوجه إلى الله تعالى والتقرب إليه بمختلف الطاعات من صلة للأرحام، وبذل المال والصدقات في سبيل الله، وذلك بسبب العزم على تقوى الأخلاق، فتفضي بنا إلى تقوى العبادات.

فكيف ندرب أنفسنا على الصوم على تقوى الأخلاق؟

بأن نجعل أخلاقنا تقتدي بأسماء الله تعالى وصفاته سبحانه، وبقدر ما نحقق من صفات الله تعالى في أنفسنا، بقدر ما نرتقي في تقوى الأخلاق، وبقدر ما نرتقي في تقوى الأخلاق، نرتقي في تقوى العبادات، فعلى سبيل المثال: من أسماء الله تعالى الرحيم، فهو سبحانه يحب منا أن نكون راحمين متراحمين فيما بيننا، راحمين للمؤمنين، راحمين للضعفاء والفقراء والمساكين، راحمين لأهلنا وابناءنا وذوي رحمنا، فجعل الرحم "شُجْنةٌ منَ الرَّحمنِ" وأَصْل الشِّجْنَة عُرُوق الشَّجَر الْمُشْتَبِكَة، وَمِنْهُ قَوْلهمْ: "الْحَدِيث ذُو شُجُون" أَيْ يَدْخُل بَعْضه فِي بَعْض، قال عليه الصلاة والسلام: (الرّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ. ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ، الرَّحمُ شُجْنةٌ منَ الرَّحمنِ فمن وصلَها وصلَهُ اللَّهُ ومن قطعَها قطعَهُ اللَّهُ)، وقس على ذلك بقية الأسماء والصفات الربانية الكريمة، نقتدي بها فنرتقي ونصوم بامتثالها فنحقق تقوى الأخلاق، ومن خلالها نصل إلى تحقيق تقوى العبادات ابتداءً من الالتزام، إلى الرغبة في أداءها، ثم إلى التلذذ والاستمتاع بالقيام بالطاعات والعبادات، وتلك هي درجة عالية في العبادة، نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياها ويعيننا عليها بما يحبه تعالى وبرضاه.

وعبادة الصوم كغيرها من العبادات، حيث نبدأ بممارسة الصيام من باب الالتزام بأمر الله تعالى، ثم تتكون لدينا الرغبة في الصيام حباً لله تعالى وتقرباً إليه بالطاعات، وبعدها بإذن الله تعالى نصل إلى درجة الاستمتاع والتلذذ بالصيام، فنجد في الصيام متعة لا ننفك عنها، ولذة لا تعادلها لذة، وبذلك يرتقي المؤمن في تقوى العبادات، وتحقيق التقوى هو غاية عبادة الصيام التي كتبها الله تعالى رحمة بنا وتفضلاً علينا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

لذلك كان الصوم وسيلة لضبط تقوى الأخلاق ومن ثم تقوى العبادات، فهنيئاً للصائمين والصائمات، جعلنا الله وإياكم منهم، لنكون في معيته تبارك وتعالى.

أضف تعليقك...

  • 3387 زيارات اليوم

  • 46444998 إجمالي المشاهدات

  • 2986600 إجمالي الزوار