لوحة إيمانية رائعة ترسمها لنا الآيات عن الأبرار : الذين ورد ذكرهم في صدر هذه السورة، وتتضمن هيئة جلوسهم وهم متكئون على الأرآئك، والاتكاء : الاسترخاء بين الجلوس والاضطجاع، بحيث يستند فيها الجالس على مرفقه وجنبه، وهي جلسة العظماء وأهل البذخ، على الآرائك: أي ما يُتوسد ويفترش مما له حشو "ويسمى أريكة"، وسط أجواء غائمة ناعمة لا يرون فيها الشمس المحرقة، ولا الزمهرير وهو شدة البرد، فالجنة نورها معتدل، وهواؤها معتدل، وأشجارها العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة، قريبة منهم، وثمارها متدلية عليهم، لا مقطوعة تنتهي بانتهاء فترة حصادها، ولا ممنوعة عنهم، وقطوفها: أي عناقيدها فى متناول اليد، فالقاعد منهم والقائم والمضجع يستطيع أن يتناول هذه الثمار التي تدنو منهم بدون جهد، (وَيُطَافُ عَلَيهِم)، الطواف : مشي مكرر حولَهم أو بينهم. (بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ)، الإناء : اسم لكل وعاء يوضع فيه الطعام من أنواع الفواكه واللحوم ونحوها، (وَأَكوَابٖ كَانَت قَوَارِيرَا۠)، ويشربون في الأكواب من الزجاج، والكوب إناء واسع أعلاه وليس له خرطوم، (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ)، أي: أنها أكواب زجاج من الفضة، فصفاؤها كالزجاج، وهي من الفضة، فجمعت بين عنصرين مختلفين، وهذه حالة عجيبة إذ أنها غير معروفة في الدنيا. (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا)، أي: قدروا ما في الأواني من الشراب على قدر ما يرويهم، لا تزيد ولا تنقص، فلو زادت نقصت لذتها، ولو نقصت لا ترويهم، يقدّرها الولدان، أو هم بما يشتهون!