• icon لوحة التحكم
  • icon
اخر الاخبار

icon الخميس 2024-02-29

عبد العزيز الفالح.. رجل مبارك

  • تسجيل اعجاب 2
  • المشاهدات 765
  • التعليقات 0
  • Twitter
عبد العزيز الفالح.. رجل مبارك
  1. icon

    بقلم / د. أسامة بن إبراهيم التركي

  2. icon

    وصفي

عليك سلام الله وقفاً فإنني                  رأيت الكريم الحر ليس له عمر

مشهد مهيب صلاة الجنازة بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق (10/8/1445هـ) امتلأت الصفوف الأولى والروضة الشريفة والمسجد القديم من المسجد النبوي بالمسؤولين والأعيان وأصحاب المعالي يتقدمهم أمير المدينة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة -وفقه الله-، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد بن فيصل نائب أمير المنطقة -وفقه الله-، وأئمة الحرم ومسؤولوه والعاملين فيه -وفقهم الله جميعاً-، في منظر يتجلى فيه الوفاء، ثم بعد انقضاء الصلاة توافد جمع غفير واحتشد خلق كثير في البقيع للتشييع والتوديع.

إن مشهد الصلاة على الجنازة ورفعها والسير بها إلى البقيع وتشييعها والازدحام على حملها، كافٍ في معرفة منزلة الفقيد بين ولاة الأمر والعلماء والأخيار وأهل المدينة وغيرهم، فلم يكن رحيل رجل عادي، بل رحيل رجل بأمة، وحق فيه أن يقال ما قيل في قيس بن عاصم:

وما كان قيس هلكه هلك واحد             ولكنّه بنيان قوم تهدّما

لا أدري هل أكتب بقلم تلميذ محب له، أم بقلم قريب متأثر بفقده فهو جد أولادي، أم بقلم بر وصلة فهو صديق لعمي معالي الشيخ عبدالله ووالدي وذو علاقة بجدي لأمي وأخوالي.

من أين أبدأ؟ وكيف أبدأ؟ لعلي أتحامل على نفسي وأكتب فيه -رحمه الله- شيئاً يسيراً يكون متنفسَ محزون وزفرة مصاب ونفثة مفارق.

وُلِد خالي معالي الشيخ عبد العزيز بن عبدالله الفالح السبيعي -رحمه الله- عام 1360هـ، بمدينة الزلفي، وتوفي-غفر الله له- وعمره يناهز الخامسة والثمانين، قضى أكثرها في خدمة العلم والدعوة والدين والوطن.

كان -طيب الله ثراه- وضيء الوجه دائم الابتسامة حاضر الهيبة، إذا رأيته لا تخطئ عيناك في تصنيفه من العلماء والصالحين والأعيان وذوي الهيئات المعتبرة.

عمل -رحمه الله- معلماً في التعليم العام، ثم محاضراً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم عميداً لكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم أميناً لهيئة كبار العلماء، ثم نائباً لشؤون المسجد النبوي، فكان عالم دين ورجل دولة وخادم وطن.

وكان الشيخ كريم الخلق، حسن السمت مع طول الصمت، والهيبة، والانبساط والتواضع، وعدم التكلف، والرفق، وطيبة القلب، وسعة البال، والهدوء، والحكمة، وبشاشة الوجه، وطلاقة المحيا.

كان -رحمه الله- كثير الاستشهاد بالقرآن في كلامه، وكثير الاستحضار للآيات أثناء حديثه، وكان في آخر أيامه إذا خيف عليه وعلى صحته، كان أكثر ما يردد قول الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، وقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

حدثني أحد جيرانه وزملائه في العمل أنه كان يحضّر رسالة علمية في إحدى الجامعات، فطلب منه الشيخ أن يعطيه الرسالة حتى يعطيه ملاحظاته، وبالفعل ناوله الشيخ الرسالة وعليه ملاحظاته وتعديلاته وخاصة اللغوية، وعند المناقشة قال له أحد المناقشين لم أجد في رسالتك خطأ لغوياً أو نحوياً واحداً.

كان -رحمه الله- زاهداً في الدنيا وفي المراكب الفاخرة والامتيازات والمظاهر والتفاخر بها، وكان يكرر {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.

وكان يسمع لكل أحد ويقبل من كل أحد ويطلب النصيحة والتوجيهات، وكان حكيماً هادئاً وموفقاً للحلول السديدة، كان جدي -رحمه الله- يعتكف في الحرم في العشر الأواخر ولا يخرج إلا يوم العيد بعد الصلاة، ويشهد العيد بثياب المعتكف كما هو المذهب، وفي ليلة العيد أراد العمال تنظيف الحرم من أثر المعتكفين وتهيئته للعيد، فأبى الجد -رحمه الله- القيام من مكانه، فتواصلوا مع الشيخ الفالح، فاحتال عليه -رحمه الله- بحكمة فأرسل إليه مسؤولا في الرئاسة يأخذه إلى مكتبه وأمره أن يبقيه في مكتبه حتى ينتهي العمال من تنظيف المسجد وتهيئته لصلاة العيد.

كان الشيخ -رحمه الله- كثير الصلة والاحتفاء والعناية بأقاربه وأرحامه، وخاصة أخواته فهو دائم التواصل بهن، ودائماً ما يوصي بذلك ويحث عليه، وله -رحمه الله- أثر كبير في خدمة زوار المسجد النبوي، لأنه كان سبباً في وجود كثير من المرافق والخدمات في المسجد النبوي، فقد كان متابعاً باستمرار ومشرف مباشر على جميع المرافق والأقسام في جميع الأوقات، وكان دائم الكتابة إلى ولاة الأمر بحوائج المسجد النبوي وما فيه التسهيل على المصلين وخدمة الزائرين.

وله -رحمه الله- فضل كبير بعد الله في كثير من تعيينات المسجد النبوي في جميع مرافقه، وخصوصاً أئمة المسجد والمؤذنين والمدرسين، والتوصية بهم عند ولاة الأمر بالاستفادة منهم -جعلهم الله في ميزان حسناته-.

محبته لمنسوبي الحرم والعاملين فيه وعلاقته الأبوية والأخوية لجميع الأشخاص على مختلف أقسامهم وأعمالهم وجنسياتهم.

رعايته وعنايته بتكثيف المدرسين وطلاب العلم في الإجابة على الأسئلة للمحتاجين مباشرة أو عن طريق الهاتف، مما كان له أبلغ الأثر الطيب في إيصال رسالة المسجد النبوي.

العناية بالزوار والمصلين جميعاً وخصوصاً ذوي الهيئات رجالاً ونساءً وتسهيل مهماتهم بيسر وسهولة، وقد استمر في خدمة الحرم النبوي في الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي قرابة 35 سنة، فكان محل ثقة وشكر وثناء من الولاة والأمراء والمسؤولين أثناء عمله في الرئاسة مدة طويلة، وذلك لوثوقهم فيه على طول عهودهم وتعاقبهم.

كان الشيخ -رحمه الله- معروفا برعاية المساكين، وقضاء حوائج المحتاجين، وسداد الديون والفواتير، والتكفل بعلاج من يحتاج لذلك، والشفاعة إلى المسؤولين، وكان -رحمه الله- ذا حظوة عند الشيخ ابن باز -رحمه الله- وكلفه الشيخ بأعمال خاصة ومسائل شائكة فيها خدمة للدين والوطن، وكلفه بأسفار ومهمات.

كان -رحمه الله- نشيطاً في الدعوة إلى الله والإغاثة وخدمة المسلمين، فكان له كفالات الدعاة والمدرسين وللمدارس في بعض البلدان، وتربطه صداقة أخوية مع كثير من العلماء -رحمهم الله- وسافر مع بعضهم في مهمات علمية ودعوية رسمية.

ومن المبشرات المرائي الصالحة له من أحد الصالحين -فيما نحسب- فقد رؤي في المنام قبل وفاته أن الشيخ ابن باز والشيخ ابن قعود رحمهما الله حضرا إليه لأخذه معهما -غفر الله لهم جميعاً-.

لا أحصي ما كُتب عنه في الأيام القليلة بعد وفاته وما وصلني من ذلك، ما بين تغريدة مختصرة، ومقالة صحفية، ورسالة هاتفية أو صوتية، ولعل هذا من عاجل بشرى المؤمن، فجزى الله خيراً كل من تواصل وعزّى وشارك وساهم ودعا، وبلغني أنه صلي عليه في بعض البلاد الإسلامية صلاة الغائب.

هذا ما جاد به الخاطر وجاش به الفؤاد وجرى به القلم، وإني لمقصر في حقه:

"وَغَايَةُ جُهْدِ أَمْثَالِي ثَنَاءُ           يَدُومُ مَدَى اللَّيَالِي أَوْ دُعَاءُ"

فحقه علينا جميعاً الدعاء، فاللهم اغفر للشيخ الوالد عبد العزيز الفالح وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين.

 

أضف تعليقك...

 
  • 1344 زيارات اليوم

  • 46337299 إجمالي المشاهدات

  • 2984098 إجمالي الزوار