• icon لوحة التحكم
  • icon
اخر الاخبار

icon الأربعاء 2024-03-13

الجوانية وبقاعها

  • تسجيل اعجاب 1
  • المشاهدات 269
  • التعليقات 0
  • Twitter
الجوانية وبقاعها
  1. icon

    بقلم / عز الدين المسكي

  2. icon

    تاريخي

وادي قناة من أشهر أودية المدينة المنورة وله العديد من الروافد حيث تصب فيه أودية المدينة التي تهبط إليه من حراتها مثل مهزور وبطحان وغيرهما فتلتقي به في مواضع مختلفة.

يهمنا هنا وادي مهزور الذي كان قديمًا يتفرع من مصدره إلى عدة شعب تلاشى أكثرها عبر الزمن، غير أن هناك شعبة ما تزال باقية وهي الشعبة التي تتجه إلى المبعوث (بعاث قديمًا) ثم إلى منطقة العريض ومنها إلى وادي قناة، وهذه الشعبة هي التي أشار إليها المؤرخ إبراهيم العياشي: (وينصرف شمالًا في مجراه الموجود اليوم، فيسقى المبعوث والمبيعيث، ثم ينصرف إلى العريض، ويعرف هذا السيل اليوم بسيل المبعوث، كما يعرف بسيل العريض، ثم بعد أن يسقى الناحيتين ينحدر ما فاض منه إلى قناة عند حرة النار)

 وكما أن لوادي العقيق المبارك عرصات فلوادي قناة أيضًا عرصة، ولا يغيب عنا أن العرصة في اللغة هي المكان الفسيح الواسع الخالي من البناء.

وعرصة وادي قناة لا تكاد تذكر ولا تعرف إلا من بطون الكتب، قال الفيروز أبادي في كتابه المغانم: (وبالمدينة عرصةٌ أخرى شرقيَّةٌ، قريبًا من العُرَيض، ولديها سدٌّ يُعرف بسدِّ العَرْصة).

هذه الجملة رغم وجازتها إلا أنها تحمل معلومات نفيسة، منها وجود عرصة غير عرصات وادي العقيق، ومنها وجود سد مائي فيها، وقد أعطانا الفيروز أبادي مفتاح الوصول إلى تحديد موضع هذه العرصة في أنها بقرب العريض وهي منطقة معروفة باسمها إلى اليوم ومن أبرز معالمها أطم صرار الذي لا تزال أطلاله قائمة.

وحرة العريض هي جزء من الحرة الشرقة ومن يقف عليها يرى مظاهر الحرة من اختلاف تضاريسها بين ارتفاع وانخفاض، والعرصة تقع غربي حرة العريض مباشرة، ويبقى علينا توقع موضع السد المذكور.

لنذهب إلى المؤرخ السيد السمهودي ونتأمل ما قاله في كتابه وفاء الوفا: (ولم يتعرض ابن شبة للشعبة التي تشق من مهزور إلى العريض وهو معظمه بسبب السد المبني هناك، وقد اقتصر عليها المطري فقال: مهزور شرقي العوالي، شمالي مذينب، ويشق في الحرة الشرقية إلى العريض، ثم يصب في وادي الشظاة).

ما ذكره السمهودي عن السد يفيد بوجوده إلى عصره، وربطه بعصر بن شبة في القرن الثالث الهجري يفيد أنه سد قديم ولعله من السدود التي شيدت في العصر الأموي، وليس هناك خلاف في ما قاله المطري من إن هذه الشعبة تصب في وادي الشظاة حيث إن الوادي يسمى بشظاة قبل وصوله إلى جبل أحد فإذا وصله من طرفه الشرقي سمي بقناة، وموضع مفيض هذه الشعبة من مهزور تصب مواجهة لطرف جبل أحد الشرقي.

كان السد على مجرى هذه الشعبة من وادي مهزور الذي يشق الحرة حتى يحجز الماء وتستفيد منه المنطقة زراعيًا، وعند التقصي الميداني وجدت أثرًا من حجارة مرصوفة بطول 25 متر وعرض متر واحد وارتفاع ما تبقى من حجارته بارتفاع أقل من متر وقد سد ما بين مرتفعين من الحرة، ربما يكون بقايا السد المذكور وربما يكون غيره.

اسم العرصة غير شائع لأن الاسم التاريخي وهو الجوانية غلب عليها، يحدثنا الفيروز ابادي فيقول: (والريان كان لأصحاب صرار، وقد كان لبني حارثة بن الحارث، وهو أطم الجَوَّانِيَّةِ).

أطم صرار ما تزال أطلاله موجودة وأما الريان فلا يعلم موضعه غير أنه في منطقة الجوانية، ويقول السمهودي في الجوانية: (فالجوانية هناك بطرف الحرة الشرقية مما يلي الشام) أي إنه بين طرف حرة واقم الشرقية وبين وادي قناة.

والجوانية ورد ذكرها في السيرة النبوية وجاء فيها ما يدل على طبيعة أرضها، حيث كانت مرعى للغنم فهي بذلك علم على جزء منها وهو المسمى بالعرصة، وقد جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه:

(....قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا......الحديث).

وكذلك كانت مرعى للإبل: (عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: وَكَانَ عَيْشُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّبَنَ. أَوْ قَالَتْ أَكْثَرُ عَيْشِنَا. كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَائِحُ بِالْغَابَةِ. كَانَ قَدْ فَرَّقَهَا عَلَى نِسَائِهِ فَكَانَتْ لِي مِنْهَا لِقْحَةٌ تُدْعَى الْعَرِيسُ. وَكُنَّا مِنْهَا فِيمَا شِئْنَا مِنَ اللَّبَنِ. وَكَانَتْ لِعَائِشَةَ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. لِقْحَةٌ تُدْعَى السَّمْرَاءُ غَزِيرَةٌ. وَلَمْ تَكُنْ كَلِقْحَتِي. فَقَرَّبَ رَاعِيهُنُّ اللِّقَاحَ إِلَى مَرْعًى بِنَاحِيَةِ الْجَوَّانِيَةِ. فَكَانَتْ تَرُوحُ عَلَى أَبْيَاتِنَا فَنُؤْتَى بِهِمَا فَتَحْلِبَانِ – الطبقات الكبرى).

وهنا يظهر اسم صرار في منطقة الجوانية: (وَصِرَارٍ وَكَانَ بالجوّانيّة والرّيّان والشّبعان وهو في ثمغ - الروض الأنف).

هذا النص يحدد أطم صرار أنه بالجوانية وأن أطم الشبعان في منطقة تسمى ثمغ وهي المنطقة الواقعة جنوبي جبل الرماة ووادي قناة، وصرار وإن كان يطلق على الأطم إلا أنه اكتسب اسمه من طبيعة الموضع الذي هو فيه، فصرار كما في معاجم اللغة الأماكن المرتفعة لا يعلوها الماء، وأطم صرار كما هو مشاهد من أطلاله على أكمة من الحرة لا يصل إليها الماء، ولمنطقة صرار ذكر في الحديث والسيرة النبوية حيث نزل النبي صلى الله عليه وسلم بها عند رجوعه من غزوة السويق وغزوة ذات الرقاع وغزوة قرقرة الكدر فالطريق يمر غربي الحرة وهو ما يسمى بالطريق الشرقي والطريق النجدية.

وهنا أيضًا يحضر اسم العريض وهو تصغير للعرض، ومن معانيه الوادي وجانباه وهنا نجد أن العريض يطلق على الوادي الذي يمر غربي الحرة وهو شعبة مهزور.

وللعريض أيضًا ذكر في السيرة النبوية حينما قدم أبو سفيان وحرق نخلًا في العريض وقتل رجلًا من الأنصار إلى غير ذلك من الأحداث.

بعد استعراض النصوص السابقة نصل إلى أن الاسم العام هو الجوانية وهو علم للمنطقة الواقعة جنوب وادي قناة للجهة المتاخمة للطرف الشمالي للحرة الشرقية وتمتد غربًا إلى منطقة ثمغ، وأن الجوانية تضم عدة مناطق وهي العريض وهو علم لشعبة وادي مهزور حين يصل إليها وبه أيضًا يسمى هذا الجزء من الحرة، ويزاحم العريض اسم صرار للمنطقة المرتفعة من هذه الحرة، ثم تأتي منطقة العرصة غربي صرار وحرة العريض وهي ما اذهب إلى أنها موضع نزول النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه فهي مكان فسيح يصلح لنزول الجيش ولا يمكن ذلك في الحرة، إضافة إلى أنها تقع مباشرة على يمين الطريق الشرقي التاريخي للقادم إلى المدينة المنورة.

وهذه المنطقة الممتدة من حرة العريض إلى ثمغ هي منازل بني حارثة من الأوس وكانت تضم آطاما ودورًا وآبارًا ومزارعًا ما زال بعضها قائمًا إلى يومنا هذا، فهي منطقة لا يزال عبق التاريخ يضوع في أرجائها.

أضف تعليقك...

 
  • 405 زيارات اليوم

  • 46336393 إجمالي المشاهدات

  • 2984065 إجمالي الزوار