• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الخميس 2024-03-28

قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر

  • تسجيل اعجاب 3
  • المشاهدات 709
  • التعليقات 1
  • Twitter
قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر
  1. icon

    بقلم / د. سليمان بن أحمد قندو

  2. icon

    شخصي

 

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن استنّ به واهتدى بهداه إلى يوم الدين وسلّم تسليما مزيداً،،، وبعد:

فقد قال الله تبارك وتعالى في محْكمِ: ((أَوَلَم يَرَوا أَنَّا نَأتِي الْأَرضَ نَنقُصُهَا مِن أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الحِسَابِ)) الرّعد : 41.
قَالَ ابن عباس-رضي الله عنه- في تفسير الآية في إحدى روايتيه: "خرابها بموت علمائها وفقهائها وَأَهْلِ الْخَيْرِ مِنْهَا"، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: "هُوَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ".
فلقد استيقظتِ المدينةُ النبّويةُ بفاجعةٍ عظيمةٍ، وَبِفَقْدِ عَلمٍ من أعْلامِها، وعَالمٍ ومن عُلمائِها، ألا وهو العَالمُ المُحَدّثُ الفَرَضِيُّ اللُّغويُّ الشّيخ الدّكتور : عُمر بن حسن بن عثمان بن محمّد فَلَّاتَه الفُلاَّنّيّ المَدَنِيّ -رحمه الله- والذي وافته المنيّة في سَحَرِ يَوْمِ الجمعة الموافق الثاني عشر من رمضان عام ألف وأربعمائة وخمسة وأربعين من هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلّم-.
 ولد شَيْخُنا العلاَّمة: عمر فلّاته بالمدينة النَّبوية ما بين المسجد النَّبوي وبقيعِ الغَرْقَدِ، في حيّ صغير يُعْرف عند أهل المدينة – بالحارة أو حَارةِ الأغوات – من جهة شرق المسجد النّبَويّ في غُرَّة شَهْر رَجَبَ سنة أربعٍ وستينَ بعد الثّلاثمائةِ والألف.
من أبوين صالحين كريمين -يرْحَمُهما الله- وأُسْرةٍ مُباركةٍ أهتمّتْ بطلبِ العِلم والتَّعليم، والدّعوة إلى الله تعالى ونَشْرِ تعاليمِ الإسلامِ وشعائره، وتعليمهم للنّاس شَرائعَ دِينِهِم، خاصة مِمنْ يَفِدُونَ إلى هذه البلاد المباركة لأداء المناسكِ من الحُجّاجِ والزوّار والمعتمرين.
ولقد كانَ لهذه الجهود المباركة الأثر البالغ في نشرِ العَقيدةِ الصَّحيحة، والأخْذِ بتعاليم الشّريعة السَّمحة في نُفُوسِ وسُلُوكِ الحُجّاجِ والزوّار والمعتمرينَ الذّين يَفِدُون إلى هذهِ البلادِ المباركةِ من أبناءِ العَالمِ الإسْلامِيِّ وقت أدائهم لِمَنَاسِكِهِمْ.
تلقّى الشّيخ –رحمه الله- تَعْليمه الأوليّ قبل التحاقه بالمدارس النِّظاميّة، فدَرسَ القرآن الكريم بِكُتَّابِ الشّيخ: عبد الحميد هيكل -رحمه الله- بالمسْجِدِ النَّبوي وهو عبارة عن مقصورة تعليميّة لتعليم الصبيان مبادئ القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم كجزء النبأ والملك وما بعدهما، وهو الآن داخل الحرم ما بين باب سيّنا عمر بن الخطّاب وباب المجيدي من الجهة الشماليّة لمسجد النبويّ، ثُمَّ تابع دِراسَته الابتدائيةَ في المدرسة الفيصليّة، وحَصَل على الشّهادة منها في عام ستٍ وسبعين وثلاثمائة وألف، ثم المتوسطةِ من المعهد العِلمِيّ السّعوديّ سنة تسعٍ وسبعين وثلاثمائة وألفٍ، ثمَّ حَصَلَ على الشّهادة الثانوية في عام واحدٍ وثمانين وثلاثمائة وألف.
تابعَ –رحمه الله- تعْلِيمه وحَصَلَ على شهادة "البكالوريوس" سنة ستٍّ وثمانين وثلاثمائة وألفٍ، من كلية الشّريعة والدَّراسات الإسلامية التَّابعة لوزارة المعارفِ آنذاكَ بمكَّةِ المكّرَّمة، ومِنْ حرْصِه لطَلبِ العِلْم وشَغَفِه بِمَجَالِس العُلماء كانَ –رحمه الله – يحْضُرُ في فَتْرةِ المساءِ ويُثْنِي الرُّكب بين يَديّ أهلِ العِلمِ والفَضْلِ في المسجد الحرام يتلقَّى العلم ويَنْهل مِنْهُم، وفي أوقاتِ الإجازات الدّراسيّة ونحوها، فإنّه يَعْكُفُ على مجالسة العلماء في المسجد النَّبويّ مُسْتَغِلاً لأوقاته على الطّلب والتَّحصيل وبَذْلِ الجُهد في مُدَارَسةِ العُلومِ ومطارحة المسائل العلمية فهماً وتَعَلّماً وتفقهاً.
واصل فضيلة الشّيخ –رحمه الله- دراسته الأكاديميَّة حتى حَصَلَ على الدَّرجة العالِمِيَّةِ "الماجستير" من الكلية نفسها، عام اثنين وتسعين وثلاثمائةٍ وألف، وكان عنوان أطروحته "جامع التَّحصيل لأحكام المراسيل" للحافظ العلائي الكيكلديّ -رحمه الله- دراسة وتحقيقاً.
ثم ابْتُعِثَ بعدها إلى جُمهوريّةِ مِصْرَ العَربية لاسْتِكْمالِ مرحلة العَالِمِيةِ العَالِيةِ "الدَّكتوراه" فاسْتَغَلَّ مُدَّة بقائه، فَعَكَفَ على أخذِ العِلم من علماءِ الأزْهرِ ونَهلَ مِنْ مختلف عُلُومِهِم خاصة في عُلُومِ اللغة العَرَبِيّةِ وأَتْقَنَ فُنُونَها كالنَّحو والصرّف والبَلاغَةِ، وقراءة الشّعر والأدب العربي وسَبرَ أغْوَارَ تلك الفنون حتى تَكوّنت لديه الذائقةُ الأدَبِيّة، وقَوِيَتِ عنده الَمَلكَةُ اللغويّة بصورةٍ تُبهِرُ مرتادِي حلقته والمستمعينَ إلى دُرُوسِهِ العلميّة في رواق المسجد النبويّ أو قاعات الدراسة الجامعيّة.
وأخيراً حصل على شهادةِ "الدّكتوراه" من قسم السُّنةِ والحَديثِ، بكُلية أصولِ الدِّين من جامعةِ الأزْهرِ بالقاهرةِ سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة وألف. وعنوان أُطْروحته" الوَضْعُ في الحديثِ النَّبويّ " في ثلاثة مجلدات.
دَرّس –رحمه الله- التَّربية الإسلاميّة في متوسطة أبي بكر الصِّديق -رضي الله عنه- ثمَّ محاضراً بكلية الشّريعة والدّراسات الإسلاميّة بمكة المكرمة. فمُدِّرساً ورئيساً لقسْم الشّريعةِ في زمن معيّن، ثم رئيساً لقسم اللغة العربية والدِّراسات الإسلاميّة في كليّة التّربية فرْع جامعةِ الملكِ عبد العزيز بالمدينة المنوَّرة من عام أربعمائة وألف للهجرة إلى عام اثنين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة، ثم وكيلاً للكلية، ثم عميداً لها، وذلك ما بين الفترة من عام اثنين وأربعمائة وألف للهجرة إلى خمس وأربعمائة وألف من الهجرة.
كما تولّى عمادة المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة من خمس وعشرين وأربعمائة وألف وحتّى عام سبع وعشرين وأربعمائة وألف لمدة سنتين. وأشرف -رحمه الله- على العديد من الرَّسائل الجامعية، وناقش العديد منها في الجامعات السّعودية.
تولى التّدريس في المسجد الحرام منذ عام سبع وتسعين وثلاثمائةٍ وألفٍ إلى عام أربعمائة وألفٍ للهجرة فترة وجوده بمكة المكرمة، وقام بالتَّدريسِ في المسْجدِ النَّبويِّ من عامِ واحدٍ بعد أربعمائة والألف للهجرة إلى آخر دَرسٍ قرأته عليه في السِّيرة النّبويّة، للحافظ المحدّث أمام الجرْحِ والتَّعديل الإمام محمد بن أحمد الذَّهبي صاحب السِّير والتّصانيف، وهو كتابٌ مُسْتَلٌ من كتابه "تاريخ الإسلام" وقد استعرض المؤلف الإمام الذهبيّ –رحمه الله- أحداث وفاة سعد بن معاذٍ الأنصاريّ –رضي الله عنه- في أواخر السنة الخامسة من الهجرة.
 وكان هذا الدَّرسُ هو آخر درسٍ ألقاه –رحمه الله- في رِواقِ المسجد النَّبويّ وذلك في يوم السَّبت الموافق الثَّامن والعشرون من شهر شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمائة وألف من الهجرة.
بدا على شيخنا الشّيخ عمر فلاته -رحمه الله- في أواخر أيَّامه آثار التّعبِ والمَرض وتقدّمه في السِّن، حتى إنه ليَتَهَادى بين رجلين مِنْ طُلَّابهِ يجاهد نَفْسه من أجل نَشْر العلم، وإفادة الناس، وتعليمهم شرائع دينهم، والجُلوسِ مع طُلاَّبه وأقْرَانِه ومحبيه، يَمْشى الهُوَيْنا من شدّة ما يَجِده من نَصَبٍ وتعبٍ ومَرضٍ -رحمه الله وأعظم أجره– إلاَّ أنّه إذا أُجلِس على كُرْسِيّه فإنّه يَصْدَحُ بصوْتِهِ يُعْلِيه تارةً جاهدا نفسه ليُسْمِعَ من حوله، ويَخْفُتُ منه تارة أخرى وكأنه يشير إلى قُرْبِ الوَداعِ ودنوِ الفِرَاقِ.
وكان –رحمه الله- يتفقّد أحوالَ طلاّبه وندمائه، يَسْأل عنهم إنْ غَابوا عنِ الدّرس ولو لليلة واحدة يتفقّدهم ويتَّصلُ عليهم هاتفياً، وإن حَضَروا الدَّرس اسْتَبْشَر بِهِم، وأنِسَ بِمَقْدَمِهِمْ مُسْتمتعاً بِحديثهم الشّيّق عن ذكريات الماضي الجميل ويَنْشَط لذلك-رحمه الله-.
ومما ميّز الله به شيخنا الدّكتور عمر فلاته –رحمه الله- تواضعه الجمّ، وبساطته في الحديث وأدب المحادثة والحوار، ومؤانسته لطلبة العلم ولأقرانه، وعموم النَّاس يمتاز بِلُغةٍ الجميلةٍ هادئةٍ تكسوها الجمالُ والمهابةُ والجلال، عفيفُ اللَّسان، دائمُ التَّفكّر، قليلُ الكلام، طيّب النُّفس، دائمُ الابتسامةِ بشوشُ الوجهِ، لا يتدخّل فيما لا يَعْنِيه.
 كما تميّز -رحمه الله- ببراعته واتقانه للغة العربية يُبَادرُ القَاريء بتصحيحِ الأخطاءِ اللُّغويّة منْ نحوٍ وصرفٍ ويُصَوِّبُه، ويقيمُ اعْوِجَاجَ لِساَنهِ بِنَبرة حانية وابتسامة لطيفة تَغْمُرها المودّة والودّ والعَطْف، عِندما يُخطئُ القاريء في قراءة مُفردةٍ أو إعراب كلمةٍ أو لحْن في عبارة.
وإنْ اختلط على الشّيخ –رحمه الله- أمرٌ علميّ أو سها في مسألة ما وصُحِّحَ له سُرعان ما يَرْجِعُ ويصحِّح تلك المعلومة أو يعيدُ المَسْألة أو قبلَ أن يَشْرَعَ في دَرْسه القادم فإنه يبدأُ بتصْحيحِ المعلومة التي زَلَّ لِسَانه فيها من غيرِ قَصْدٍ وَجَانَبَ فِيها الصَّواب –رحمه الله رحمة واسعة وأعلى منزلته–.
ومِنْ عَجيبِ صَبْرِه ومصابرته وجِهَادِه في نَشْرِ العلم وإفادة الناس كان َيُحَضِّرُ لدروسه يوميّاً من الجمعة إلى الجمعة عدا يوم الخميس مراجعة وتعليقا وشرحا وتبسيطاً وبَيَاناً، وأحيانا حينما يُعْرِب الكَلِمَة تتجلّى المعاني بَأبْهَى صُوَرِهَا، وأرَقِّ مَعَانِيها، لِتَضَلُّعُهِ في علمِ المعاني ، وبديعِ البَيَانْ.
ويعدُّ -رحمه الله- من المشاركين المتَميّزين في قنوات التَلفزة والإذاعة والبرامج والنَّدوات العامَّة والموسميَّة وقدّم لبرنامج "ندوةِ الكتَاب" في إذاعة نداءِ الإسلامِ من مكة المكرمة.
ومن جهوده الخدميّة والتّطوعية –رحمه الله- أن له العديد من الأعمال والأنشطة الخيرية والاجتماعية وخدمة المجتمع كالتّدريس في الدّورات العلمية التي تُعِدُّها رابطةَ العالمِ الإسْلامِيّ في العديد مِن الدُّول العَربيَّة والإسلامية وعضو الجمعيةِ الخيرية الاجتماعية بالمدينة المنورة، وعضو مجلس إدارة الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وكان –رحمه الله – مأذونا معتمدا لإجراء عقود الأنكحة متطوّعا للرّاغبين لها من الخاصّةِ والعَامَّة من أهالي طيبة الطبية وغيرهم.
تلقّى العِلم وأخذَ عن العَديدِ من العلماءِ والمشايخِ في المدينة المنورة ومكة المكرمة منهم: الشّيخ: عبد الحميد هيكل، والشيخ: محمد المختار الجكني الشّنقيطي، والشّيخ: عمر بن محمد فلاته، والشّيخ :محمد الأمين الشّنقيطي المفسّر صاحب الأضواء، والشّيخ المحدّث: وحمَّاد بن محمد الأنصاري، وسماحة الشّيخ: عبد العزيز ابن باز، والشّيخ محمد بن علي ثاني الفلانيّ ... وغيرهم من العلماء في المدينة المنورة.
أما المشايخ الذين أخذ عنهم في مكة المكرمة العلامة الشّيخ: حسن بن محمد المشّاط، وفضيلة سماحة الشّيخ: عبدالله بن محمد بن حميد، والشّيخ محمد بن أمين كتبي، والسيّ علوي المالكيّ والشيخ: محمد ياسين الفادانيّ ... وغيرهم في مكة المكرمة، وحَصَل على العَديد من الإجازاتِ العلميَّة من العِلماء والمشَايخ في مختلف العُلومِ والفُنونِ وخاصة في علم الحديث وأسانيد .. وله من المؤلفات:
- جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي، دراسة وتحقيق.
 - الوضْع في الحديث النّبوي.
- الشّرح المكمل في الحسن المهمل، للمديني دراسة وتحقيق.
- الحديث الحَسَنُ الصَّحيح، والصّحيح الغريب عند الإمام الترمذي.
- الحديث الصّحيح عند الإمام التّرمذي.
- معلمو المسجد النّبوي الشّريف، بالاشتراك مع آخرين.
- مصطلحات الإمام التِّرمذي في جامعه. بالاشتراك مع الدكتور عبدالغفار حميده.
وغيرها من المؤلفات القيّمة النّافعة، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهمنا وذويه الصَّبْر والسِّلوان، ويحسن عزاءنا فيه، ويسبغ عليه شآبيب الرَّحمات، ويجعل ما قدمه من العلمِ النافعِ، والعمل الصالحِ، والنّصحِ والتوجيه والإرشاد، والدعوة إلى الله تعالى في موازينِ حَسَنَاته، وأن يُصْلِح له ذريّته و عَقِبَه ويباركَ فِيهِم ويوفّقهم لما فيه خير وصلاح لهم في دينهم ودنياهم. إنه جواد كريم ... آمين
وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

*🌱اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها.*
*📘أحسنت يادكتور سليمان وأبنت وأجدت بوركت؛ فإن شيخنا الدكتور عمر رحمه الله من العلماء القلائل في هذا العصر، وفعلًا فقده مصيبة وفاجعة ليس للمجتمع المدني فحسب بل فاجعة وفقْدٌ للمسلمين عامة*
*🔆رفع الله درجته في المهديين وأخلفه في عقبه في الغابرين، وجعله من ورثة جنة النعيم، وعوض الله الأمة خيرًا.*

جمال احمد الصاوي 2024-03-29 المشاهدات 1

أضف تعليقك...

 
  • 3395 زيارات اليوم

  • 46324378 إجمالي المشاهدات

  • 2983806 إجمالي الزوار